ساصل الى الشاطئ الاخر .. لن اموت .. قفزت الى الماء والمركب الفقير الإمكانيات تغرق .. قفزت ..لم يكن هناك حل أخر الا ان اقفز .. فقفزت وانا ارى رفاق رحلتي ايضا يقفزون
لسعني الماء البارد بشدة في اول ثوانى .. بدأت اعوم و انا اسمع احد الرفاق يصرخ اشهد ان لا اله الا الله محمد رسول الله .. رددت بتلقائية ورائه فدخل بعض الماءالى فمى .. وطعم الملح تحت لسانى مر جدا .. ساصل الى الشاطى الاخر .. لن اموت .. اسبح وقد ضاع منى شعور البروده الاول .. وضاعت منى ايضا اصوات الرفاق
الليل حالك لا ارى شى .. الليل فى قريتي ايضا كان حالك دائما .. كنا نكسر ظلمته بالجلسة وانا اصدقائى نغنى ونتحدث عن احلامنا وعن اخبار القرية المملة ..واخبار الذين نجحوا فى ان يتسللوا من الحدود عبر البحر ويصلون الى نعيم الاجانب هناك ..احلم انا وجمال ان نكون منهم .. جمال اعز اصدقائى كان معى على السفينة .. نسيت ان انظر اليه قبل ان اقفز .. جمال لا يجيد العوم .. احساس ذنب قاهر يعزوني .. جمال هل مت .. يا جمال .. هل مت يا صديقى ؟
ساصل الى الشاطى الاخر لن اموت .. امى تنتظرني فى قريتي .. باعت الجاموسة الوحيده التى تملكها حتى تدفع لى مقدم تكلفة سفرى .. الى البلاد الجميله .. عبر البحر على هذه المركب الفقيرة .. كانت قد سمعت ان هناك كثيرا قد ماتوا فى الرحلة من قبل ..فارتعبت من فكرة ان تفقدني وقالت لي خليك معانا يا ابنى محدش بيموت من الجوع .. سمعها ابى وصمت على الرغم من موافقته على سفرى .. ربما هو ايضا خائف ان اموت .. انا ايضا كنت خائف .. خائف يا امى .. ولكنى اريد ان اشترى بيت كبير وكمبيوتر .. اريد ان اشترى ذهب لاختى قبل ان تذهب الى بيت زوجها .. اريد ان اتزوج فاطمة ابنة عمى واشترى لها الغسالة الفول اتوماتيك.. اريد ان ارتاح من ساعات الفلاحة فى القراريط القليلة والتى لا تاتى الا بالقليل .. الا ترى يا امى؟ .. محمد ابن شيخ الجامع .. الا ترى الخير الذي رجع به الى اهله .. دعينى يا امى .. ساعود لكى .. وصدقت امى وباعت الجاموسه .
واصبحت على المركب وعيونهم الحزينه لفراقي اخر ما رايت .. ودموع الغاليه امى بحر .. بحر اكبر من هذا الذى اعوم فيه انا الان .. ولن اموت ساصل الى الشاطى الاخر .. لن اموت .. الموج شديد جدا .. وكانه يتامر عليا حتى اموت .. ولكنى أعانده و اقاومه وأستمر فى العوم .. دائما كانت أمواج احلامى تهدهدني وانا احلم انى انتصرت على هذا الواقع الكئيب الذى احيا فيه فى بلدتى .. اريد ان اعيش .. كرهت ان اكون فقيرا .. عشت طويلا فقيرا..طوال اعوام عمرى العشرين كنت فقيرا .. ماذا لو اصبحت غنى .. موكد انه شعور جميل .. جميل جدا .. اجمل من القبلات التى اخطفها خلسة من فاطمة حبيتي .. والتى تنتظرني حتى اشترى لها ذهبا وبيتا واجعلها تنجب اطفال يدخلون المدارس وتتباهى بهم على صديقتها .. لن اموت ساصل الى الشاطى الاخر لاعود اليك الى فاطمة .. ذراعي تولمنى .. ترى كما مر من الوقت وانا هنا فى البحر .. الليل مازال حالك كما هو .. رفعت راسى قليلا .. تنفست بعمق .. رأيت القمر هلال ..امى كانت تقول دوما ان الدعوة وقت الهلال مستجابة .. دعوت ربى ان لا اموت .. هل سيستجيب؟ .. اشعر بوحدة وضالة في هذ البحر الواسع جدا والذي لا نهاية له.. اين نهايتك ؟.. اين الشاطى ؟.. ابكى دون ان ادرى .. تختلط دموعي بماء البحر على وجهى .. اقول بملا ضعفى يارب .. والماء المالح يدخل فمى .. اشعر بتنميل خفيف فى كل جسدى .. ضوء قليل بدا يكسر الظلام .. استطيع الان ان ارى الماء لونه ازرق .. وذراعي التى تقاوم الموج لونها اسمر .. والسماء ضبابيه .. اشعر بعطش شديد .. كل هذا البحر واشعر بالعطش .. الملح لا يروى العطش .. والفقر لا يروى امنياتى فى السعادة .. لن اموت ساصل الى الشاطى .. البحر واسع .. ترى هل وصل احد رفاق الرحلة الى الشاطى ؟.. كنا اربعون .. عندما فجاءنا العدد وفقر شكل المركب وامكانيتها .. ثرنا على الذي يقود المركب .. وقلنا له إننا دفعنا كثيرا إلى السمسار .. فما هذه المركب الهزيلة؟ وكيف تسافر باربعون شخصا؟ .. ارتفع صوته عاليا وسبنا بأمهاتنا.. وقال ان من لا يعجبه فلينزل .. وجعتنا السبة .. ولكن لم يرد احد منا .. ولم ينزل احد منا .. فلنحتمل ونصل إلى هناك الى الشاطى الاخر .. ونكسب مالا كثيرا ..ربما استطعنا وقتها ان نرد تلك السبة .
فى اول ساعة دعونا ربنا بالنجاة من الموت ومن حرس السواحل .. وكان يخيم علينا صمت كئيب كالليل حولنا ..وكل منا غارق فى افكاره الخاصة .. اه .. اه .. شى ما صلب على سطح الماء شج راسى .. تجاوزته واستمريت فى العوم وخيط من الدم ينزل من الجرح الى وجهي .. فيغسله الماء . ويكويه الملح .. ولا اقول اه .. حتى لا يدخل الماء الى فمى .. لن اموت ساصل الى الشاطى الاخر .. اى شاطى .. لا .. لا اريد اى شاطى .. اريد الشاطى الذى عنده امى وفاطمة وابى .. اريد قريتى .. ابكى مرة اخرى .. ويختلط الماء بالدماء بالدموع على وجهى .. اريد ان انام .. اشعر بضعف شديد فى كل جسدى .. اقاوم بجنون ان اريح ذراعي وقدمي من العوم.. ان اتركهم يسترخيان الى جورى .. ولكن لا يمكن .. لن اموت .. النور ملا الوجود حولى .. نظرت على مدى بصري ولا أرى شاطى .. افكر فى اى اتجاه اعوم ؟.. اختارت اليمين .. لنكن من اهل اليمين .. من هم اهل اليمين؟ .. دائما كنت اسرح وانا اسمع شيخ الجامع فى خطبة الجمعة .. ليتنى سمعته وعرفت من هم اهل اليمين التى اسمعها دوما .. ربما كنت عرفت فى اى الاتجاهات اعوم ..ساعوم وساجد الشاطى ولن اموت .. اشعر بان الموج يزيد ..لماذا يزيد ؟.. لا اجد اجابة .. مثلما لم اجد اجابة لاسئلة كثيرة فى حياتى .. الموج يزداد .. اتذكر وجه السمسار وهو يرد وانا اناقش فى المبلغ الكبير الذى يريد .. انت هتقبض بالدولار .. اين الدولارات؟ .. الموج يزداد .. لو رايت السمسار الان لقتلته .. الموج يزداد .. ابكى .. اشعر بالتعب الشديد.. التنميل اصبح الام رهيبه فى اطرافى .. واعاند الالم واعوم ..اعاند الموج واسبح .. لن اموت .. ساصل الى .. لا لن اصل .. لن اصل .. ساموت .. ابكى بعنف .. ساموت .. الالم رهيب فى اطرافى .. وفى راسى .. ساموت .. امى هل ستحزني اكثر على ابنك ام على الجاموسة التى ضاعت هباء ؟ .. ابكى .. فاطمة من ستتزوجى؟ .. انا ساموت .. لا ابكى .. لا اشعر بشى .. الألم يزول .. ودوامة من البياض مختلط بالسواد تغزو عينى .. إحساس ما كالنوم يسحبني .. تتوقف يداى عن السباحة.. جسدى ينزل تحت .. تحت الماء .. احاول.. اقاوم ..والماء يدخل انفي وفمى .. التعب يهزمني ..استسلم .. اشعر بالاختناق رهيب جدا جدا .. انى اموت .. اريد ان افتح عينى قبل ان اموت وارى ما تحت الماء .. ربما وجدت عروسة البحور ..اتلو الشهادة وانام .. انام بعمق